الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

قرآنٌ يمشي على الأرض


قرآنٌ يمشي على الأرض
( أخلاق رسـول الله )

في الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل قد وضعت أمنة بنت وهب صبياً ليس كأيِّ الصبيان وضعت صبياً مختوناً مقطوع السرة يقول : " الله أكبر , والحمد له كثيرا , و سبحان الله بكرة وأصيلا " عندها تساقطت الأصنام في الكعبة على وجوهها , وخرج نورٌ مع هذا الصبيّ أضاء مساحة واسعة من الجزيرة العربية , وانكسر إيوان كسرى , و سقطت أربعة عشر شرفة منه , و انخمدت نار فارس التي كانت تعبد , وجفت بحيرة ساوه . . .  و لِمَ لا يحصل كل هذا ؟ فقد جاء الذي سينتشلنا من الظلمات إلى النور جاء محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
لقد قال الشاعر أحمد شوقي في مدح الرسول :

يا مَن لَهُ الأَخلاقُ ما تَهوى العُلا                     مِنها وَما يَتَعَشَّقُ الكُبَراءُ
لَو لَم تُقِم دينًا لَقامَت وَحدَها                   دينًا تُضيءُ بِنورِهِ الآناءُ
زانَتكَ في الخُلُقِ العَظيمِ شَمائِلٌ                     يُغرى بِهِنَّ وَيولَعُ الكُرَماءُ
أَمّا الجَمالُ فَأَنتَ شَمسُ سَمائِهِ                   وَمَلاحَةُ الصِدّيقِ مِنكَ أَياءُ
وَالحُسنُ مِن كَرَمِ الوُجوهِ وَخَيرُهُ                    ما أوتِيَ القُوّادُ وَالزُعَماءُ

لقد ترك الرسول صلى الله عليه وسلم الأثر الجميل في كل جانب ليكون لنا قدوة و نعم القدوات قدوته . دائماً نُسأل من هي قدوتك ؟ الكثير منا يجب بأول شيء قدوتي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ومن ثم يذكر فلان ثم فلان , ولكن لو وقفنا عند هذه النقطة عندما تقول أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) هو قدوتك هل التزمت بأخلاقه ؟ معاملته ؟ فسنجد أننا سنُصعق أحياناً بوجود أفعال تناقض الأقوال . !
سأتحدث هنا عن معاملة الرسول و أخلاقه الحسنة , كان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لين الجانب , لطيف في المعاملة , يحبب الآخرين بالإسلام فقط من معاملته الحسنة الجميلة فقد قال الله تعالى "  فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ " [1]
كان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يقضى حاجة أصحابه و يشعر بآلامهم لا يتعالى عليهم , وكان ينهى صحابته عن الإكثار في مدحه فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه سمع عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول على المنبر: سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول ) :لا تطروني[2] كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده ، فقولوا عبد الله ورسوله ) [3] .
كان ( صلى الله عليه وسلم ) كريماً شديد الكرم يُحكى بكرمه بين أبناء قريش بل و أشهر القبائل في الجزيرة العربية , كان ( صلى الله عليه وسلم ) بالرغم من فقره إلا أنه لا يخيب ظن سائل و لا يرد طلب محتاج حتى أنه قد جاءه رجل يطلب البردة التي هي عليه فأعطاه إياها صلى الله عليه وسلم , أين نحن من هذا الكرم ؟
قال شوقي في كرمه :
فَإِذا سَخَوتَ بَلَغتَ بِالجودِ المَدى                وَفَعَلتَ ما لا تَفعَلُ الأَنواءُ 

كما قلت بأن الرسول لم يترك أي جانب إلا وترك الأثر الجميل فيه , فلننظر كيف كان ( صلى الله عليه وسلم ) يعامل أزواجه   كان صلى الله عليه وسلم يُطعم زوجاته ويسقيهن بيديه الكريمتين الشريفتين الطاهرتين ، قد يعجب بعض الأزواج اليوم من هذه المعاملة ويعتبرها ذل و إهانة له و لرجولته كما يعتقد ، لكنه الواقع يحكيه لك رسولك صلى الله عليه وسلم حيث يقول لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما زاره في بيته وهو مريض ، قال له " حتى اللقمة تضعها في في امرأتك يكون لك بها صدقة "
لو تحدثت عن أخلاق الرسول فلن أوفيه حقه مهما أطلت الحديث , فكما قالت سيدتنا عائشة ( رضي الله عنها وأرضاها ) كان (صلى الله عليه وسلم ) قرآناً يمشي على الأرض , فقد كان القرآن هو خلقه يلتزم به في أقواله ( صلى الله عليه وسلم ) وأفعاله أيضاً , وليس كحالنا اليوم نحفظ القرآن ليقال فلان حافظ لكتاب الله و لكن لا يطبق ما فيه إلا من رحم ربي .

كما عرف الجميع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لقد تعرض لإهانة وهي أيضاً إهانة لجميع المسلمين بعد نشر الفيلم المسيء له , فمن حق الجميع أن يغضب لما قد حدث للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) , ولكن عندما نغضب نراعي أن يكون غضبنا مماثلاً لغضب رسولنا محمد ( صلي الله عليه وسلم ) حتى نكون قد نصرناه حق النُصرة .
لقد تعرض الرسول ( صلي الله عليه وسلم ) للعديد من الإهانات في عصره , و لكن لم تكن ردة فعله لهذا الشيء بالقتل أو التنكيل فقد تحمل أذاهم عندما رموه بالحجارة، وهو في طريقه من الطائف إلى مكة سالت دماؤه الشريفة، وهو يرفض أن يدعو عليهم بسوء، بل يقول:«أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً», و«لعل الله يخلق من أصلابهم قوماً يؤمنون بالله ورسوله ».
إن  أنظار العالم اليوم موجهه علي المسلمين , فإما أن يري العالم غضبا يُعَبَر عنه بالخلق النبوي , أو أن يروا غضبا بأخلاق لا يرضاها الرسول , ولنجعل الرسول هو قدوتنا بكل شيء في غضبنا ورضانا .


لارا جلال طافش


[1] سورة آل عمران : من الآية 159
[2] تبالغوا في مدحي
[3] رواه البخاري